الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
اعلم أن الكلام هنا في مواضع: الأول في بيان شرائط صحتها. الثاني في بيان شرائط كمالها. الثالث في بيان من تكره إمامته. الرابع في بيان صفتها. الخامس في بيان أقلها. السادس في بيان من تجب له. السابع في بيان من تجب عليه. الثامن في حكمة مشروعيتها. أما الأول فحاصله مجملا ما ذكره الإمام الإسبيجابي أنه متى أمكن تضمين صلاة المقتدي في صلاة الإمام صح اقتداؤه به، وإن لم يمكن لا يصح اقتداؤه به والشيء إنما يتضمن ما هو مثله أو دونه ولا يتضمن ما هو فوقه وسيأتي بيانها مفصلا في قوله وفسد اقتداء رجل بامرأة إلى آخره، وأما الثاني فهو أن الأصل أن بناء الإمامة على الفضيلة والكمال فكل من كان أكمل وأفضل فهو أحق بها وسيأتي مفصلا مع بيان من تكره إمامته. وأما صفتها فما ذكره بقوله: (الجماعة سنة مؤكدة) أي قوية تشبه الواجب في القوة والراجح عند أهل المذهب الوجوب ونقله في البدائع عن عامة مشايخنا، وذكر هو وغيره أن القائل منهم أنها سنة مؤكدة ليس مخالفا في الحقيقة بل في العبارة؛ لأن السنة المؤكدة والواجب سواء خصوصا ما كان من شعائر الإسلام، ودليله من السنة المواظبة من غير ترك مع النكير على تاركها بغير عذر في أحاديث كثيرة، وفي المجتبى والظاهر أنهم أرادوا بالتأكيد الوجوب لاستدلالهم بالأخبار الواردة بالوعيد الشديد بترك الجماعة وصرح في المحيط بأنه لا يرخص لأحد في تركها بغير عذر حتى لو تركها أهل مصر يؤمرون بها فإن ائتمروا وإلا يحل مقاتلتهم، وفي القنية وغيرها بأنه يجب التعزير على تاركها بغير عذر ويأثم الجيران بالسكوت، وفيها لو انتظر الإقامة لدخول المسجد فهو مسيء، وفي المجتبى ومن سمع النداء كره له الاشتغال بالعمل، وعن عائشة أنه حرام يعني حالة الأذان، وإن عمل بعده قبل الصلاة فلا بأس به، وعن محمد لا بأس بالإسراع إلى الجمعة والجماعة ما لم يجهد نفسه والسكينة أفضل فيها ا هـ. وفي الخلاصة يجوز التعزير بأخذ المال ومن ذلك رجل لا يحضر الجماعة. ا هـ. وسيأتي إن شاء الله تعالى في محله أن معناه حبس ماله عنه مدة ثم دفعه له لا أخذه على وجه التملك كما قد يتوهم كما صرح به في البزازية، وذكر في غاية البيان معزيا إلى الأجناس أن تارك الجماعة يستوجب إساءة ولا تقبل شهادته إذا تركها استخفافا بذلك ومجانة، أما إذا تركها سهوا أو تركها بتأويل بأن يكون الإمام من أهل الأهواء أو مخالفا لمذهب المقتدي لا يراعي مذهبه فلا يستوجب الإساءة وتقبل شهادته ا هـ. وفي شرح النقاية عن نجم الأئمة رجل يشتغل بتكرار الفقه ليلا ونهارا ولا يحضر الجماعة لا يعذر ولا تقبل شهادته، وقال أيضا رجل يشتغل بتكرار اللغة فتفوته الجماعة لا يعذر بخلاف تكرار الفقه قيل جوابه الأول فيمن واظب على ترك الجماعة تهاونا والثاني فيمن لا يواظب على تركها ا هـ. ولم يذكر المصنف بقية أحكامها فمنها أن أقلها اثنان واحد مع الإمام في غير الجمعة؛ لأنها مأخوذة من الاجتماع وهما أقل ما يتحقق بهما الاجتماع ولقوله عليه الصلاة والسلام: «الاثنان فما فوقهما جماعة» وهو ضعيف كما في شرح منية المصلي وسواء كان ذلك الواحد رجلا أو امرأة حرا أو عبدا أو صبيا يعقل ولا عبرة بغير العاقل وفي السراج الوهاج لو حلف لا يصلي بجماعة وأم صبيا يعقل حنث في يمينه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون في المسجد أو بيته حتى لو صلى في بيته بزوجته أو جاريته أو ولده فقد أتى بفضيلة الجماعة، ومنها أنها واجبة للصلوات الخمس إلا للجمعة فإنها شرط فيها وتجب لصلاة العيدين على القول بوجوبها، وتسن فيها على القول بسنيتها، وفي الكسوف والتراويح سنة وسيأتي أن الصحيح أنها في التراويح سنة على الكفاية ونص في جوامع الفقه على أنها فيها واجبة وهو غريب ويستحب في الوتر في رمضان على قول ولا يستحب فيه على قول وهي مكروهة في صلاة الخسوف وقيل لا، وأما ما عدا هذه الجملة ففي الخلاصة الاقتداء في الوتر خارج رمضان يكره، وذكر القدوري أنه لا يكره وأصل هذا أن التطوع بالجماعة إذا كان على سبيل التداعي يكره في الأصل للصدر الشهيد أما إذا صلوا بجماعة بغير أذان وإقامة في ناحية المسجد لا يكره، وقال شمس الأئمة الحلواني إن كان سوى الإمام ثلاثة لا يكره بالاتفاق، وفي الأربع اختلف المشايخ والأصح أنه يكره ا هـ. كذا في شرح المنية ولا يخفى أن الجماعة في العيدين وإن كانت واجبة أو سنة على القولين فيها فهي شرط الصحة على كل قول؛ لأن شرائط العيدين وجوبا وصحة شرائط الجمعة إلا الخطبة فلا تصح صلاة العيدين منفردا كالجمعة ولا يلزم من بطلان الوصف بطلان الأصل على المذهب، ومنها حكم تكرارها في مسجد واحد ففي المجمع ولا نكررها في مسجد محلة بأذان ثان، وفي المجتبى ويكره تكرارها في مسجد بأذان وإقامة، وعن أبي يوسف إنما يكره تكرارها بقوم كثير أما إذا صلى واحد بواحد واثنين فلا بأس به، وعنه لا بأس به مطلقا إذا صلى في غير مقام الإمام وعن محمد إنما يكره تكرارها على سبيل التداعي أما إذا كان خفية في زاوية المسجد لا بأس به، وقال القدوري لا بأس بها في مسجد في قارعة الطريق، وفي أمالي قاضي خان مسجد ليس له إمام ولا مؤذن ويصلي الناس فيه فوجا فوجا فالأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حدة، ولو صلى بعض أهل المسجد بأذان وإقامة مخافتة ثم ظهر بقيتهم فلهم أن يصلوا جماعة على وجه الإعلان ا هـ. ومنها أنها لا تجب إلا على الرجال البالغين الأحرار القادرين عليها من غير حرج فلا تجب على شيخ كبير لا يقدر على المشي ومريض وزمن وأعمى، ولو وجد من يقوده ويحمله عند أبي حنيفة لما عرف أنه لا عبرة بقدرة الغير وحقق في فتح القدير أنه اتفاق والخلاف في الجمعة لا الجماعة وتسقط بعذر البرد الشديد والظلمة الشديدة، وذكر في السراج الوهاج أن منها المطر والريح في الليلة المظلمة، وأما في النهار فليست الريح عذرا وكذا إذا كان يدافع الأخبثين أو أحدهما أو كان إذا خرج يخاف أن يحبسه غريمه في الدين أو كان يخاف الظلمة أو يريد سفرا وأقيمت الصلاة فيخشى أن تفوته القافلة أو يكون قائما بمريض أو يخاف ضياع ماله وكذا إذا حضر العشاء وأقيمت صلاة العشاء ونفسه تتوق إليه وكذا إذا حضر الطعام في غير وقت العشاء ونفسه تتوق إليه ا هـ. وفي فتح القدير وإذا فاتته لا يجب عليه الطلب في المساجد بلا خلاف بين أصحابنا بل إن أتى مسجدا للجماعة آخر فحسن، وإن صلى في مسجد حيه منفردا فحسن، وذكر القدوري يجمع بأهله ويصلي بهم يعني وينال ثواب الجماعة، وقال شمس الأئمة الأولى في زماننا تتبعها وسئل الحلواني عمن يجمع بأهله أحيانا هل ينال ثواب الجماعة أو لا قال لا ويكون بدعة ومكروها بلا عذر. واختلف في الأفضل من جماعة مسجد حيه وجماعة المسجد الجامع وإذا كان مسجدان يختار أقدمهما فإن استويا فالأقرب فإن صلوا في الأقرب وسمع إقامة غيره فإن كان دخل فيه لا يخرج وإلا فيذهب إليه وهذا على الإطلاق تفريع على أفضلية الأقرب مطلقا لا على من فضل الجامع فلو كان الرجل متفقها فمجلس أستاذه لدرسه أو مجلس العامة أفضل بالاتفاق ا هـ. وأما حكمة مشروعيتها فقد ذكر في ذلك وجوه: أحدها قيام نظام الألفة بين المصلين ولهذه الحكمة شرعت المساجد في المحال لتحصيل التعاهد باللقاء في أوقات الصلوات بين الجيران، ثانيها دفع حصر النفس أن تشتغل بهذه العبادة وحدها، ثالثها تعلم الجاهل من العالم أفعال الصلاة، وذكر بعضهم أنها ثابتة بالكتاب وهو قوله تعالى: {واركعوا مع الراكعين} فهي بالكتاب والسنة. وأما فضائلها ففي السنة الصحيحة أن «صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد ببضع وعشرين درجة»، وفي المضمرات أنه مكتوب في التوراة صفة أمة محمد وجماعتهم وأنه بكل رجل في صفوفهم تزاد في صلاتهم صلاة تعني إذا كانوا ألف رجل يكتب لكل رجل ألف صلاة. (قوله: والأعلم أحق بالإمامة) أي أولى بها ولم يبين المعلوم وفسره في المضمرات بأحكام الصلاة، وفي السراج الوهاج بما يصلح الصلاة ويفسدها، وفي غاية البيان بالفقه وأحكام الشريعة والظاهر هو الأول ويقرب منه الثاني، وأما الثالث فمحمول على الأول لظهور أنه ليس المراد من الفقه غير أحكام الصلاة ولهذا وقع في عبارة أكثرهم الأعلم بالسنة باعتبار أن أحكام الصلاة لم تستفد إلا من السنة، وأما الصلاة في الكتاب فمجملة وقدم أبو يوسف الأقرأ لحديث الصحيحين: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه» وأجاب عنه في الهداية بأن أقرأهم كان أعلمهم؛ لأنهم كانوا يتلقونه بأحكامه فقدم في الحديث ولا كذلك في زماننا فقدمنا الأعلم ولأن القراءة يفتقر إليها لركن واحد والعلم لسائر الأركان، وفي فتح القدير وأحسن ما يستدل به للمذهب حديث: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» وكان ثمة من هو أقرأ منه بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: «أقرؤكم أبي» وكان أبو بكر أعلمهم بدليل قول أبي سعيد كان أبو بكر أعلمنا وهذا آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الخلاصة الأكثر على تقديم الأعلم فإن كان متبحرا في علم الصلاة لكن لم يكن له حظ في غيره من العلوم فهو أولى ا هـ. وقيد في المجتبى الأعلم بأن يكون مجتنبا للفواحش الظاهرة، وإن لم يكن ورعا وقيد في السراج الوهاج تقديم الأعلم بغير الإمام الراتب، وأما الإمام الراتب فهو أحق من غيره، وإن كان غيره أفقه منه وقيد الشارح وجماعة تقديم الأعلم بأن يكون حافظا من القرآن قدر ما تقوم به سنة القراءة وقيده المصنف في الكافي بأن يكون حافظا قدر ما تجوز به الصلاة، وينبغي أن يكون المختار قولا ثالثا وهو أن يكون حافظا للقدر المفروض والواجب ولم أره منقولا لكن القواعد لا تأباه؛ لأن الواجب مقتضاه الإثم بالترك ويورث النقصان في الصلاة. (قوله: ثم الأقرأ) محتمل لشيئين أحدهما أن يكون المراد به أحفظهم للقرآن وهو المتبادر، الثاني أحسنهم تلاوة للقرآن باعتبار تجويد قراءته وترتيلها وقد اقتصر العلامة تلميذ المحقق ابن الهمام في شرح زاد الفقير عليه. (قوله: ثم الأورع) أي الأكثر اجتنابا للشبهات والفرق بين الورع والتقوى أن الورع اجتناب الشبهات والتقوى اجتناب المحرمات ولم يذكر الورع في الحديث السابق وإنما ذكر فيه بعد القراءة الهجرة؛ لأنها كانت واجبة في ابتداء الإسلام قبل الفتح فلما انتسخت بعده أقمنا الورع مقامها واستثنى في معراج الدراية من نسخ وجوبها بعده ما إذا أسلم في دار الحرب فإنه تلزمه الهجرة إلى دار الإسلام لكن الذي نشأ في دار الإسلام أولى منه إذا استويا فيما قبلها. (قوله: ثم الأسن) لحديث مالك بن الحويرث «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولصاحب له إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما» وقد استويا في الهجرة والعلم والقراءة وعلل له في البدائع بأن من امتد عمره في الإسلام كان أكثر طاعة وهو يدل على أن المراد بالأسن الأقدم إسلاما ويشهد له حديث الصحيحين المتقدم من قوله: «فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما» فعلى هذا لا يقدم شيخ أسلم قريبا على شاب نشأ في الإسلام أو أسلم قبله، وكلام المصنف ظاهر في تقديم الأورع على الأسن وهكذا في كثير من الكتب، وفي المحيط ما يخالفه فإنه قال: وإن كان أحدهما أكبر والآخر أورع فالأكبر أولى إذا لم يكن فيه فسق ظاهر ا هـ. وأشار المصنف إلى أنهما لو استويا في سائر الفضائل إلا أن أحدهما أقدم ورعا قدم وقد صرح به في فتح القدير ثم اقتصر المصنف على هذه الأوصاف الأربعة أعني العلم والقراءة والورع والسن وقد ذكروا أوصافا أخر ففي المحيط فإن استويا في السن قالوا أحسنهما خلقا أولى، فإن استويا فأحسنهما وجها أولى وفسر الشمني الخلق بالإلف بين الناس وفسر المصنف في الكافي أحسنهم وجها بأكثرهم صلاة بالليل للحديث: «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار»، وإن كان ضعيفا عند المحدثين، وذكر في البدائع أنه لا حاجة إلى هذا التكلف بل يبقى على ظاهره؛ لأن صباحة الوجه سبب لكثرة الجماعة خلفه وقدم في فتح القدير الحسب على صباحة الوجه، فإن استووا فأشرفهم نسبا وزاد الإمام الإسبيجابي على ذلك أوصافا ثلاثة أخرى وهي، فإن استووا فأكبرهم رأسا وأصغرهم عضوا، فإن استووا فأكثرهم مالا أولى حتى لا يطلع على الناس، فإن استووا في ذلك فأكثرهم جاها أولى وزاد في المعراج ثاني عشر وهو أنظفهم ثوبا واختلف في المسافر مع المقيم قيل هما سواء وقيل المقيم أولى وينبغي ترجيحه كما لا يخفى، وفي الخلاصة، فإن اجتمعت هذه الخصال في رجلين فإنه يقرع بينهما، أو الخيار إلى القوم وأشار المصنف بالأحقية إلى أن القوم لو قدموا غير الأقرأ مع وجوده فإنهم قد أساءوا ولكن لا يأثمون كما في التجنيس وغيره وهذا كله فيما إذا لم يكونا في بيت شخص أما إذا كانا في بيت إنسان فإنه يكره أن يؤم ويؤذن، وصاحب البيت أولى بالإمامة إلا أن يكون معه سلطان أو قاض فهو أولى؛ لأن ولايتهما عامة كذا ذكر الإسبيجابي ويشهد له حديث الصحيحين السابق وفي السراج الوهاج ويقدم الوالي على الجميع وعلى إمام المسجد وصاحب البيت، والمستأجر أولى من المالك؛ لأنه أحق بمنافعه وكذا المستعير أولى من المعير ا هـ. وفي تقديم المستعير نظر لأن للمعير أن يرجع أي وقت شاء بخلاف المؤجر، وفي الخلاصة وغيرها رجل أم قوما وهم له كارهون إن كانت الكراهية لفساد فيه أو؛ لأنهم أحق بالإمامة يكره له ذلك، وإن كان هو أحق بالإمامة لا يكره ذلك. ا هـ. وفي بعض الكتب والكراهة على القوم وهو ظاهر؛ لأنها ناشئة عن الأخلاق الذميمة وينبغي أن تكون تحريمية في حق الإمام في صورة الكراهة لحديث أبي داود عن ابن عمر مرفوعا: «ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة من تقدم قوما وهم له كارهون ورجل أتى الصلاة دبارا» والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته «ورجل اعتبد محرره» كذا في شرح المنية. (قوله: وكره إمامة العبد والأعرابي والفاسق والمبتدع والأعمى وولد الزنا) بيان للشيئين الصحة والكراهة أما الصحة فمبنية على وجود الأهلية للصلاة مع أداء الأركان وهما موجودان من غير نقص في الشرائط والأركان ومن السنة حديث: «صلوا خلف كل بر وفاجر»، وفي صحيح البخاري أن ابن عمر كان يصلي خلف الحجاج وكفى به فاسقا كما قاله الشافعي، وقال المصنف إنه أفسق أهل زمانه، وقال الحسن البصري لو جاءت كل أمة بخبيثاتها وجئنا بأبي محمد لغلبناهم وإمامة عتبان بن مالك الأعمى لقومه مشهورة في الصحيحين واستخلاف ابن أم مكتوم الأعمى على المدينة كذلك في صحيح ابن حبان، وأما الكراهة فمبنية على قلة رغبة الناس في الاقتداء بهؤلاء فيؤدي إلى تقليل الجماعة المطلوب تكثيرها تكثيرا للأجر ولأن العبد لا يتفرغ للتعلم والغالب على الأعراب الجهل والفاسق لا يهتم لأمر دينه والأعمى لا يتوقى النجاسة وليس لولد الزنا أب يربيه ويؤدبه ويعلمه فيغلب عليه الجهل. أطلق الكراهة في هؤلاء وقيد كراهة إمامة الأعمى في المحيط وغيره بأن لا يكون أفضل القوم، فإن كان أفضلهم فهو أولى وعلى هذا يحمل تقديم ابن أم مكتوم؛ لأنه لم يبق من الرجال الصالحين للإمامة في المدينة أحد أفضل منه حينئذ ولعل عتبان بن مالك كان أفضل من كان يؤمه أيضا وعلى قياس هذا إذا كان الأعرابي أفضل الحاضرين كان أولى ولهذا قال في منية المصلي أراد بالأعرابي الجاهل وهو ظاهر في كراهة إمامة العامي الذي لا علم عنده وينبغي أن يكون كذلك في العبد وولد الزنا إذا كان أفضل القوم فلا كراهة إذا لم يكونا محتقرين بين الناس لعدم العلة للكراهة والأعرابي من يسكن البادية عربيا كان أو عجميا، وأما من يسكن المدن فهو عربي وفي المجتبى وهذه الكراهة تنزيهية لقوله في الأصل إمامة غيرهم أحب إلي وهكذا في معراج الدراية، وفي الفتاوى لو صلى خلف فاسق أو مبتدع ينال فضل الجماعة لكن لا ينال كما ينال خلف تقي ورع لقوله صلى الله عليه وسلم: «من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي» قال ابن أمير حاج ولم يجده المخرجون نعم أخرج الحاكم في مستدركه مرفوعا: «إن سركم أن يقبل الله صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم»، وذكر الشارح وغيره أن الفاسق إذا تعذر منعه يصلي الجمعة خلفه، وفي غيرها ينتقل إلى مسجد آخر وعلل له في المعراج بأن في غير الجمعة يجد إماما غيره فقال في فتح القدير وعلى هذا فيكره الاقتداء به في الجمعة إذا تعددت إقامتها في المصر على قول محمد وهو المفتى به؛ لأنه بسبيل من التحول حينئذ، وفي السراج الوهاج، فإن قلت: فما الأفضلية أن يصلي خلف هؤلاء أو الانفراد؟ قيل أما في حق الفاسق فالصلاة خلفه أولى لما ذكر في الفتاوى كما قدمناه، وأما الآخرون فيمكن أن يكون الانفراد أولى لجهلهم بشروط الصلاة ويمكن أن يكون على قياس الصلاة خلف الفاسق والأفضل أن يصلي خلف غيرهم ا هـ. فالحاصل أنه يكره لهؤلاء التقدم ويكره الاقتداء بهم كراهة تنزيه، فإن أمكن الصلاة خلف غيرهم فهو أفضل وإلا فالاقتداء أولى من الانفراد وينبغي أن يكون محل كراهة الاقتداء بهم عند وجود غيرهم وإلا فلا كراهة كما لا يخفى وأشار المصنف إلى أنه لو اجتمع معتق وحر أصلي فالحر الأصلي أولى بعد الاستواء في العلم والقراءة كما في الخلاصة، وأما المبتدع فهو صاحب البدعة وهي كما في المغرب اسم من ابتدع الأمر إذا ابتدأه وأحدثه كالرفقة من الارتفاق والخلفة من الاختلاف ثم غلبت على ما هو زيادة في الدين أو نقصان منه ا هـ. وعرفها الشمني بأنها ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم أو عمل أو حال بنوع شبهة واستحسان وجعل دينا قويما وصراطا مستقيما ا هـ. وأطلق المصنف في المبتدع فشمل كل مبتدع هو من أهل قبلتنا وقيده في المحيط والخلاصة والمجتبى وغيرها بأن لا تكون بدعته تكفره، فإن كانت تكفره فالصلاة خلفه لا تجوز وعبارة الخلاصة هكذا وفي الأصل الاقتداء بأهل الأهواء جائز إلا الجهمية والقدرية والروافض الغالي ومن يقول بخلق القرآن والخطابية والمشبهة وجملته أن من كان من أهل قبلتنا ولم يغل في هواه حتى يحكم بكفره تجوز الصلاة خلفه وتكره، ولا تجوز الصلاة خلف من ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أو ينكر الكرام الكاتبين أو ينكر الرؤية؛ لأنه كافر، وإن قال إنه لا يرى لجلاله وعظمته فهو مبتدع والمشبه إن قال إن لله يدا أو رجلا كما للعباد فهو كافر، وإن قال إنه جسم لا كالأجسام فهو مبتدع، والرافضي إن فضل عليا على غيره فهو مبتدع، وإن أنكر خلافة الصديق فهو كافر ومن أنكر الإسراء من مكة إلى بيت المقدس فهو كافر ومن أنكر المعراج من بيت المقدس فليس بكافر ا هـ. وألحق في فتح القدير عمر بالصديق في هذا الحكم ولعل مرادهم بإنكار الخلافة إنكار استحقاقهما الخلافة فهو مخالف لإجماع الصحابة لا إنكار وجودها لهما وعلل لعدم كفره في قوله لا كالأجسام بأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم عليه وهو موهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية تنهض سببا للعقاب لما قلنا من الإيهام بخلاف ما لو قاله على التشبيه فإنه كافر وقيل يكفر بمجرد الإطلاق أيضا وهو حسن بل هو أولى بالتكفير ا هـ. فالحاصل أنه يكفر في لفظين هو جسم كالأجسام هو جسم، ويصير مبتدعا في الثالث هو جسم لا كالأجسام ثم قال واعلم أن الحكم بكفر من ذكرنا من أهل الأهواء مع ما ثبت عن أبي حنيفة والشافعي من عدم تكفير أهل القبلة من المبتدعة كلهم محمله على أن ذلك المعتقد نفسه كفر فالقائل به قائل بما هو كفر، وإن لم يكفر بناء على كون قوله ذلك عن استفراغ وسعه مجتهدا في طلب الحق لكن جزمهم ببطلان الصلاة خلفه لا يصحح هذا الجمع اللهم إلا أن يراد بعدم الجواز خلفهم عدم الحل أي عدم حل أن يفعل وهو لا ينافي الصحة وإلا فهو مشكل والله سبحانه أعلم. بخلاف مطلق اسم الجسم مع التشبيه فإنه يكفر لاختياره إطلاق ما هو موهم للنقص بعد علمه بذلك، ولو نفى التشبيه لم يبقى منه إلا التساهل والاستخفاف بذلك ا هـ. وهكذا استشكل هذه الفروع مع ما صح عن المجتهدين المحقق سعد التفتازاني في شرح العقائد، وفيما أجاب به في فتح القدير نظر؛ لأن تعليله في الخلاصة فيمن أنكر الرؤية ونحوها بأنه كافر يرد هذا الحمل فالأولى ما ذكره هو في باب البغاة أن هذه الفروع المنقولة في الفتاوى من التكفير لم تنقل عن الفقهاء أي المجتهدين وإنما المنقول عنهم عدم تكفير من كان من قبلتنا حتى لم يحكموا بتكفير الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه عن تأويل وشبهة ولا عبرة بغير المجتهدين ا هـ. وذكر في المسايرة أن ظاهر قول الشافعي وأبي حنيفة أنه لا يكفر أحد منهم، وإن روي عن أبي حنيفة أنه قال لجهم اخرج عني يا كافر حملا على التشبيه وهو مختار الرازي، وذكر في شرحها للكمال بن أبي شريف أن عدم تكفيرهم هو المنقول عن جمهور المتكلمين والفقهاء فإن الشيخ أبا الحسن الأشعري قال في كتاب مقالات الإسلاميين اختلف المسلمون بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم في أشياء ضلل بعضهم بعضا وتبرأ بعضهم عن بعض فصاروا فرقا متباينين إلا أن الإسلام يجمعهم ويعمهم ا هـ. وقال الإمام الشافعي أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية؛ لأنهم يشهدون بالزور لموافقيهم وما ذكره المصنف أنه ظاهر قول أبي حنيفة جزم بحكايته عنه الحاكم صاحب المختصر في كتاب المنتقى وهو المعتمد ا هـ. فالحاصل أن المذهب عدم تكفير أحد من المخالفين فيما ليس من الأصول المعلومة من الدين ضرورة، ويدل عليه قبول شهادتهم إلا الخطابية ولم يفصلوا في كتاب الشهادات فدل ذلك على أن هذه الفروع المنقولة من الخلاصة وغيرها بصريح التكفير لم تنقل عن أبي حنيفة وإنما هي من تفريعات المشايخ كألفاظ التكفير المنقولة في الفتاوى والله سبحانه هو الموفق. وفي جمع الجوامع وشرحه ولا نكفر أحدا من أهل القبلة ببدعة كمنكري صفات الله تعالى وخلقه أفعال عباده وجواز رؤيته يوم القيامة ومنا من كفرهم أما من خرج ببدعته من أهل القبلة كمنكري حدوث العالم والبعث والحشر للأجسام والعلم بالجزئيات فلا نزاع في كفرهم لإنكارهم بعض ما علم مجيء الرسول به ضرورة ا هـ. وفي الخلاصة عن الحلواني يمنع عن الصلاة خلف من يخوض في علم الكلام ويناظر صاحب الأهواء وحمله في المجتبى على من يريد بالمناظرة أن يزل صاحبه، وأما من أراد الوصول به إلى الحق وهداية الخلق فهو ممن يتبرك بالاقتداء به ويندفع البلاء عن الخلق بهدايته واهتدائه، وأما الصلاة خلف الشافعية فحاصل ما في المجتبى أنه إذا كان مراعيا للشرائط والأركان عندنا فالاقتداء به صحيح على الأصح ويكره وإلا فلا يصح أصلا وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في باب الوتر ولا خصوصية للشافعية بل الصلاة خلف كل مخالف للمذهب كذلك. (قوله: وتطويل الصلاة) أي وكره للإمام تطويلها للحديث: «إذا أم أحدكم الناس فليخفف» واستثنى المحقق في فتح القدير صلاة الكسوف فإن السنة فيها التطويل حتى تنجلي الشمس وأراد بالتطويل ما زاد على القدر المسنون كما في السراج الوهاج لا كما قد يتوهمه بعض الأئمة فيقرأ يسيرا في الفجر كغيرها، وفي المضمرات شرح القدوري أي لا يزيد على القراءة المستحبة ولا يثقل على القوم ولكن يخفف بعد أن يكون على التمام والاستحباب ا هـ. وذكره في فتح القدير بحثا وعلل له بأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التطويل وكانت قراءته هي المسنونة فلا بد من كون ما نهى عنه غير ما كان دأبه إلا لضرورة كما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه: «قرأ بالمعوذتين في الفجر فلما فرغ قيل له أوجزت قال سمعت بكاء صبي فخشيت أن تفتتن أمه» وفي منية المصلي ويكره للإمام أن يعجلهم عن إكمال السنة، والظاهر أنها في تطويل الصلاة كراهة تحريم للأمر بالتخفيف وهو للوجوب إلا لصارف ولإدخال الضرر على الغير وأطلقه فشمل ما إذا كان القوم يحصون أو لا رضوا بالتطويل أو لا لإطلاق الحديث، وأطلق في التطويل فشمل إطالة القراءة أو الركوع أو السجود أو الأدعية واختار الفقيه أبو الليث أنه يطيل الركوع لإدراك الجائي إذا لم يعرفه، فإن عرفه فلا وأبو حنيفة منع منه مطلقا؛ لأنه شرك أي رياء. (قوله: وجماعة النساء) أي وكره جماعة النساء؛ لأنها لا تخلو عن ارتكاب محرم وهو قيام الإمام وسط الصف فيكره كالعراة كذا في الهداية وهو يدل على أنها كراهة تحريم؛ لأن التقدم واجب على الإمام للمواظبة من النبي صلى الله عليه وسلم عليه وترك الواجب موجب لكراهة التحريم المقتضية للإثم ويدل على كراهة التحريم في جماعة العراة بالأولى واستثنى الشارحون جماعتهن في صلاة الجنازة فإنها لا تكره؛ لأنها فريضة وترك التقدم مكروه فدار الأمر بين فعل المكروه لفعل الفرض أو ترك الفرض لتركه فوجب الأول بخلاف جماعتهن في غيرها، ولو صلين فرادى فقد تسبق إحداهن فتكون صلاة الباقيات نفلا والتنفل بها مكروه فيكون فراغ تلك موجبا لفساد الفريضة لصلاة الباقيات كتقييد الخامسة بالسجدة لمن ترك القعدة وأفاد أن إمامة المرأة للنساء صحيحة واستثنى في السراج الوهاج مسألة وهي ما لو استخلف الإمام امرأة وخلفه رجال ونساء فسدت صلاة الرجال والنساء والإمام والمقدمة في قول أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر أما فساد صلاة الرجال فظاهر، وأما فساد صلاة النساء فلأنهم دخلوا في تحريمة كاملة فإذا انتقلوا إلى تحريمة ناقصة لم يجز كأنهم خرجوا من فرض إلى فرض آخر. (قوله: فإن فعلن تقف الإمام وسطهن كالعراة) لأن عائشة رضي الله عنها فعلت كذلك وحمل فعلها الجماعة على ابتداء الإسلام ولأن في التقدم زيادة الكشف وأراد بالتعبير بقوله تقف أنه واجب فلو تقدمت أثمت كما صرح به في فتح القدير والصلاة صحيحة فإذا توسطت لا تزول الكراهة وإنما أرشدوا إلى التوسط؛ لأنه أقل كراهية من التقدم كذا في السراج الوهاج، ولو تأخرت لم يصح الاقتداء بها عندنا لعدم شرطه وهو عدم التأخر عن المأموم، وذكر في المغرب الإمام من يؤتم به أي يقتدى به ذكرا كان أو أنثى، وفي الواو مع السين الوسط بالتحريك اسم لعين ما بين طرفي الشيء كمركز الدائرة، وبالسكون اسم مبهم لداخل الدائرة مثلا ولذلك كان ظرفا فالأول يجعل مبتدأ وفاعلا ومفعولا به وداخلا عليه حرف الجر ولا يصح شيء من هذا في الثاني تقول وسطه خير من طرفه واتسع وسطه وضربت وسطه وجلست في وسط الدار، وجلست وسطها بالسكون لا غير، ويوصف بالأول مستويا فيه المذكر والمؤنث والاثنان والجمع قال الله تعالى: {جعلناكم أمة وسطا} ولله علي أن أهدي شاتين وسطا إلى بيت الله أو أعتق عبدين وسطا، وقد بني منه أفعل التفضيل فقيل للذكر الأوسط وللمؤنث الوسطى قال تعالى: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} يعني المتوسط بين الإسراف والتقتير، وقد أكثروا في ذلك وهو في محل الرفع على البدل من إطعام أو كسوتهم معطوف عليه والصلاة الوسطى العصر وهو المشهور ا هـ. وضبطه هنا في السراج الوهاج بسكون السين لا غير، وفي الصحاح كل موضع صلح فيه بين فهو وسط بالتسكين كجلست وسط القوم، وإن لم يصلح فيه فهو بالتحريك كجلست وسط الدار وربما سكن وليس بالوجه ا هـ. وفي ضياء الحلوم الوسط بالسكون ظرف مكان وبفتح السين اسم تقول وسط رأسه دهن بسكون السين وفتح الطاء فهذا ظرف وإذا فتحت السين رفعت الطاء وقلت: وسط رأسه دهن فهذا اسم ا هـ. وفي معراج الدراية والتشبيه بالعراة ليس من كل وجه بل في أفضلية الإفراد وأفضلية قيام الإمام وسطهن، وأما العراة فيصلون قعودا وهو أفضل والنساء قائمات، وفي الخلاصة يصلون قعودا بإيماء، وإن صلوا بقيام وركوع وسجود بجماعة أجزأهم، وذكر الإسبيجابي وكذلك يكره أن يؤم النساء في بيت وليس معهن رجل ولا محرم منه مثل زوجته وأمته وأخته، فإن كانت واحدة منهن فلا يكره وكذلك إذا أمهن في المسجد لا يكره وإطلاق المحرم على من ذكر تغليب وإلا فليس هو محرما لزوجته وأمته. (قوله: ويقف الواحد عن يمينه والاثنان خلفه) لحديث ابن عباس: «أنه عليه الصلاة والسلام صلى به وأقامه عن يمينه» وهو ظاهر في محاذاة اليمين وهي المساواة وهذا هو المذهب خلافا لما عن محمد من أنه يجعل أصبعه عند عقب الإمام وأفاد الشارح أنه لو وقف عن يساره فإنه يكره يعني اتفاقا، ولو وقف خلفه فيه روايتان أصحهما الكراهة، وأطلق في الواحد فشمل البالغ والصبي واحترز به عن المرأة فإنها لا تكون إلا خلفه فلو كان معه رجل وامرأة فإنه يقيم الرجل عن يمينه والمرأة خلفهما، وإن كان رجلان وامرأة أقام الرجلين خلفه والمرأة خلفهما وإنما يتقدم الرجلين «لأنه عليه الصلاة والسلام تقدم على أنس واليتيم حين صلى بهما» وهو دليل الأفضلية وما ورد من فعل ابن مسعود من أنه توسطهما فهو دليل الإباحة كذا في الهداية وغيرها، وذكر الإسبيجابي أنه لو كان معه رجلان فإمامهم بالخيار إن شاء تقدم، وإن شاء أقام فيما بينهما، ولو كانوا جماعة فينبغي للإمام أن يتقدم، ولو لم يتقدم إلا أنه أقام على ميمنة الصف أو على ميسرته أو قام في وسط الصف فإنه يجوز ويكره وينبغي أن يكون بحذاء الإمام من هو أفضل، ولو قال المصنف كما في النقاية لكان أولى والزائد خلفه لشمول الزائد الاثنين والأكثر وفي الخلاصة، ولو كان المقتدي عن يمين الإمام فجاء ثالث وجذب المؤتم إلى نفسه بعد ما كبر الثالث لا تفسد صلاته وأشار المصنف إلى أن العبرة إنما هو للقدم لا للرأس فلو كان الإمام أقصر من المقتدي تقع رأس المقتدي قدام الإمام يجوز بعد أن يكون محاذيا بقدمه أو متأخرا قليلا وكذا في محاذاة المرأة كما سيأتي، وإن تفاوتت الأقدام صغرا وكبرا فالعبرة بالساق والكعب والأصح ما لم يتقدم أكثر قدم المقتدي لا تفسد صلاته كذا في المجتبى، وفي الظهيرية، ولو جاء والصف متصل انتظر حتى يجيء الآخر، فإن خاف فوت الركعة جذب واحدا من الصف إن علم أنه لا يؤذيه، وإن اقتدى به خلف الصفوف جاز لما روي: «أن أبا بكرة قام خلف الصف فدب راكعا حتى التحق بالصف فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أبا بكرة زادك الله حرصا في الدين»، ولو كان في الصحراء ينبغي أن يكبر أولا ثم يجذبه، ولو جذبه أولا فتأخر ثم كبر هو قيل تفسد صلاة الذي تأخر ذكره الزندوستي في نظمه والمعنى فيه أن هذا إجابة بالفعل فيعتبر بالإجابة بالقول، ولو أجاب بالقول فسدت كما إذا أخبر بخبر يسره فقال الحمد لله والأصح أنه لا تفسد صلاته ا هـ. وفي القنية والقيام وحده أولى في زماننا لغلبة الجهل على العوام. (قوله: ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء) لقوله عليه الصلاة والسلام: «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى» ولأن المحاذاة مفسدة فيؤخرون، وليلني أمر الغائب من الولي وهو القرب، والأحلام جمع حلم بضم الحاء وهو ما يراه النائم أريد به البالغون مجازا؛ لأن الحلم سبب البلوغ، والنهى جمع نهية وهي العقل كذا في غاية البيان ولم يذكر الخناثى كما في المجمع وغيره لندرة وجوده، وذكر الإسبيجابي أنه يقوم الرجال صفا مما يلي الإمام ثم الصبيان بعدهم ثم الخناثى ثم الإناث ثم الصبيات المراهقات، وفي شرح منية المصلي المذكور في عامة الكتب أربعة أقسام. قيل وليس هذا الترتيب لهذه الأقسام بحاصر لجملة الأقسام الممكنة فإنها تنتهي إلى اثني عشر قسما والترتيب الحاصر لها أن يقدم الأحرار البالغون، ثم الأحرار الصبيان، ثم العبيد البالغون، ثم العبيد الصبيان، ثم الأحرار الخناثى الكبار، ثم الأحرار الخناثى الصغار، ثم الأرقاء الخناثى الكبار، ثم الأرقاء الخناثى الصغار، ثم الحرائر الكبار، ثم الحرائر الصغار، ثم الإماء الكبار، ثم الإماء الصغار ا هـ. وظاهر كلامهم متونا وشروحا تقديم الرجال على الصبيان مطلقا سواء كانوا أحرارا أو عبيدا فإن الصبي الحر وإن كان له شرف الحرية لكن المطلوب هنا قرب البالغ العاقل بالحديث السابق نعم يقدم البالغ الحر على البالغ العبد، والصبي الحر على الصبي العبد والحرة البالغة على الأمة البالغة والصبية الحرة على الصبية الأمة لشرف الحرية من غير معارض ولم أر صريحا حكم ما إذا صلى ومعه رجل وصبي، وإن كان داخلا تحت قوله والاثنان خلفه وظاهر حديث أنس أنه يسوي بين الرجل والصبي ويكونان خلفه فإنه قال فصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا ويقتضي أيضا أن الصبي الواحد لا يكون منفردا عن صف الرجال بل يدخل في صفهم وأن محل هذا الترتيب إنما هو عند حضور جمع من الرجال وجمع من الصبيان فحينئذ تؤخر الصبيان بخلاف المرأة الواحدة فإنها تتأخر عن الصفوف كجماعتهن، وينبغي للقوم إذا قاموا إلى الصلاة أن يتراصوا ويسدوا الخلل ويسووا بين مناكبهم في الصفوف ولا بأس أن يأمرهم الإمام بذلك وينبغي أن يكملوا ما يلي الإمام من الصفوف، ثم ما يلي ما يليه وهلم جرا وإذا استوى جانبا الإمام فإنه يقوم الجائي عن يمينه، وإن ترجح اليمين فإنه يقوم عن يساره وإن وجد في الصف فرجة سدها وإلا فينتظر حتى يجيء آخر كما قدمناه، وفي فتح القدير وروى أبو داود والإمام أحمد عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله». وروى البزار بإسناد حسن عنه صلى الله عليه وسلم: «من سد فرجة في الصف غفر له». وفي أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم قال: «خياركم ألينكم مناكب في الصلاة» وبهذا يعلم جهل من يستمسك عند دخول داخل بجنبه في الصف ويظن أن فسحه له رياء بسبب أنه يتحرك لأجله بل ذلك إعانة له على إدراك الفضيلة وإقامة لسد الفرجات المأمور بها في الصف والأحاديث في هذا كثيرة شهيرة ا هـ وفي القنية والقيام في الصف الأول أفضل من الثاني، وفي الثاني أفضل من الثالث هكذا؛ لأنه روي في الأخبار أن الله تعالى إذا أنزل الرحمة على الجماعة ينزلها أولا على الإمام، ثم تتجاوز عنه إلى من بحذائه في الصف الأول، ثم إلى الميامن، ثم إلى المياسر، ثم إلى الصف الثاني وروي عنه عليه السلام أنه قال: «يكتب للذي خلف الإمام بحذائه مائة صلاة وللذي في الجانب الأيمن خمسة وسبعون صلاة وللذي في الجانب الأيسر خمسون صلاة وللذي في سائر الصفوف خمسة وعشرون صلاة». وجد في الصف الأول فرجة دون الثاني فله أن يصلي في الصف الأول ويخرق الثاني؛ لأنه لا حرمة له لتقصيرهم حيث لم يسدوا الصف الأول. ا هـ. (قوله: وإن حاذته مشتهاة في صلاة مطلقة مشتركة تحريمة وأداء في مكان متحد بلا حائل فسدت صلاته إن نوى إمامتها) بيان لفائدة تأخيرها ولحكم محاذاتها للرجل والقياس أن لا تفسد اعتبارا بصلاتها وبمحاذاة الأمرد. وجه الاستحسان حديث مسلم السابق من «أنه صلى الله عليه وسلم جعل العجوز خلف الصف»، ولولا أن المحاذاة مفسدة ما تأخرت العجوز؛ لأن الانفراد خلف الصف مكروه عندنا ومفسد عند أحمد ولحديث ابن مسعود «أخروهن من حيث أخرهن الله» والحنفية يذكرونه مرفوعا والمحقق ابن الهمام منع رفعه بل هو موقوف على ابن مسعود، وهو يفيد افتراض تأخرهن عن الرجال؛ لأنه وإن كان آحادا وقع بيانا لمجمل الكتاب وهو قوله تعالى: {وللرجال عليهن درجة} فإذا لم يشر إليها بالتأخر بعدما دخلت في الصلاة ونوى الإمام إمامتها فقد ترك فرض المقام فبطلت صلاته وإذا أشار إليها بالتأخر فلم تتأخر تركت حينئذ فرض المقام فبطلت صلاتها دونه ولم يمكنه التقدم بخطوة أو خطوتين؛ لأنه مكروه فلا يؤمر به وهذا هو الفرق بينها وبينه، وهذا في محاذاة غير الإمام، أما في محاذاة إمامها فصلاتهما فاسدة أيضا؛ لأنه إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأموم وفي فتاوى قاضي خان المرأة إذا صلت مع زوجها في البيت إن كان قدمها بحذاء قدم الزوج لا تجوز صلاتهما بالجماعة، وفي المحيط إذا حاذت إمامها فسدت صلاة الكل، وأما محاذاة الأمرد فقال في فتح القدير صرح الكل بعدم الفساد إلا من شذ ولا متمسك له في الرواية كما صرحوا به ولا في الدراية لتصريحهم بأن الفساد في المرأة غير معلول بعروض الشهوة بل هو لترك فرض المقام وليس هذا في الصبي ومن تساهل فعلل به صرح بنفيه في الصبي مدعيا عدم اشتهائه ا هـ. وعلى هذا فما في معراج الدراية عن الملتقط من أن الأمرد من قرنه إلى قدمه عورة مبني على القول الشاذ الذي يلحقه بالمرأة، وذكر الشارح وغيره أن المعتبر في المحاذاة الساق والكعب في الأصح وبعضهم اعتبر القدم ا هـ. وهو قاصر الإفادة فإنه كما صرحوا به المرأة الواحدة تفسد صلاة ثلاثة إذا وقفت في الصف من عن يمينها ومن عن يسارها ومن خلفها ولا شك أن المحاذاة بالساق والكعب لم تتحقق فيمن خلفها فالتفسير الصحيح للمحاذاة ما في المجتبى والمحاذاة المفسدة أن تقوم بجنب الرجل من غير حائل أو قدامه ا هـ. فالحاصل أن مماسة بدنها لبدنه ليست بشرط بل أن تكون عن جنبه بلا حائل ولا فرجة وسيأتي تفسير الحائل والفرجة ولهذا لو كان أحدهما على الدكان دون القامة والآخر على الأرض فسدت صلاته لوجود المحاذاة لبعض بدنها لكونها عن جنبه وليس هنا محاذاة بالساق والكعب ولا بالقدم، وفي الخانية والظهيرية المرأة إذا صلت في بيتها مع زوجها إن كانت قدماها خلف قدم الزوج إلا أنها طويلة يقع رأسها في السجود قبل رأس الإمام جازت صلاتهما؛ لأن العبرة للقدم ا هـ. وقال قاضي خان في باب ما يفسد الصلاة: وحد المحاذاة أن يحاذي عضو منها عضوا من الرجل حتى لو كانت المرأة على الظلة والرجل بحذائها أسفل منها أو خلفها إن كان يحاذي الرجل شيئا منها تفسد صلاته وقيد بالمشتهاة؛ لأن غير المشتهاة لا تفسد صلاته، وإن كانت مميزة واختلفوا في حد المشتهاة وصحح الشارح وغيره أنه لا اعتبار بالسن من السبع على ما قيل أو التسع على ما قيل وإنما المعتبر أن تصلح للجماع بأن تكون ضخمة عبلة والعبلة المرأة التامة الخلق وأطلقها فشملت الأجنبية والزوجة والمحرم والمشتهاة حالا أو ماضيا مراهقة أو بالغة فدخلت العجوز الشوهاء ولم يقيدها بالعاقلة كما فعل غيره؛ لأن المجنونة لم تصح صلاتها فلم يوجد الاشتراك وقيد بالصلاة؛ لأنها لو لم تكن في الصلاة فلا فساد وقيد الصلاة بالإطلاق وهي ما عهد مناجاة للرب سبحانه وتعالى وهي ذات الركوع أو السجود أو الإيماء للعذر للاحتراز عن المحاذاة في صلاة الجنازة فإنها لا تفسد وقيد بالاشتراك؛ لأن محاذاة المصلية لمصل ليس في صلاتها لا تفسد صلاته لكنه مكروه كما في فتح القدير وقيد الاشتراك بالتحريمة والأداء؛ لأن اللاحق إذا حاذته اللاحقة عند الذهاب إلى الوضوء أو عند المجيء قبل الاشتغال بعمل الصلاة فلا فساد وإن وجد الاشتراك حالة المحاذاة تحريمة لعدم الاشتراك أداء حالة المحاذاة؛ لأن هذه الحالة ليست حالة الأداء وكذا المسبوق إذا حاذته المسبوقة بعد سلام الإمام عند قضاء ما سبقا به لعدم الاشتراك في الأداء؛ لأن المسبوق منفرد فيما يقضي إلا في مسائل سنذكرها، وإن وجد الاشتراك في التحريمة وليس من شرط الاشتراك في التحريمة تحصيل الركعة الأولى مع الإمام، ولهذا قال في السراج الوهاج ولا يشترط أن تدرك أول الصلاة في الصحيح بل لو سبقها بركعة أو بركعتين فحاذته فيما أدركت تفسد عليه ا هـ. فالمشاركة في التحريمة بناء صلاتها على صلاة من حاذته أو على صلاة إمام من حاذته فحينئذ لا تمكن المشاركة في الأداء بدون المشاركة في التحريمة فلذا ذكروا المشاركة تحريمة وأداء ولم يكتفوا بالمشاركة في الأداء، وفي فتح القدير ثم لو قيل بدل مشتركة تحريمة وأداء مشتركة أداء ويفسرها بأن يكون لهما إمام فيما يؤديانه حالة المحاذاة أو أحدهما إمام للآخر لعم الاشتراكين ا هـ. قلنا نعم يعم لكن يلزم من الاشتراك أداء الاشتراك تحريمة فلهذا ذكروهما، والحاصل أن المقتدي إما مدرك أو لاحق غير مسبوق أو لاحق مسبوق أو مسبوق غير لاحق فالمدرك من أدرك الركعات كلها مع الإمام فإذا حاذته أبطلت صلاته لوجود الاشتراك تحريمة وأداء، واللاحق الغير المسبوق هو الذي أدرك الركعة الأولى وفاتته ركعة أو أكثر منها بعذر كنوم أو حدث أو غفلة أو زحمة أو لأنه من الطائفة الأولى في صلاة الخوف وحكمه أنه إذا زال عذره فإنه يبدأ بقضاء ما فاته بالعذر، ثم يتابع الإمام إن لم يفرغ وهذا واجب لا شرط حتى لو عكس فإنه يصح فلو نام في الثالثة واستيقظ في الرابعة فإنه يأتي بالثالثة بلا قراءة؛ لأنه لاحق فيها فإذا فرغ منها قبل أن يصلي الإمام الرابعة صلى معه الرابعة، وإن بعد فراغ الإمام صلى الرابعة وحدها بلا قراءة أيضا؛ لأنه لاحق فلو تابع الإمام، ثم قضى الثالثة بعد فراغ الإمام صح وأثم ومن حكمه أنه مقتد حكما فيما يقضي، ولهذا لا يقرأ ولا يلزمه سجود بسهوه وإذا تبدل اجتهاده في القبلة تبطل صلاته، ولو سبقه الحدث وهو مسافر فدخل مصره للوضوء بعد فراغ الإمام لا ينقلب أربعا وكذا لو نوى الإقامة بعد فراغ الإمام وقد جعلوا فعله في الأصول أداء شبيها بالقضاء فلهذا لا يتغير فرضه بنية الإقامة؛ لأنها لا تؤثر في القضاء ومما ألحق باللاحق المقيم إذا اقتدى بمسافر فإنه بعد سلام إمامه كاللاحق، ولهذا لا يقرأ ولا يسجد لسهوه ولا يقتدي به كما في الخانية، وأما اللاحق المسبوق فهو من لم يدرك الركعة الأولى مع الإمام وفاته بعد الشروع ركعة أو أكثر بعذر، ولهذا اختار المحقق في فتح القدير أن اللاحق هو من فاته بعد ما دخل مع الإمام بعض صلاة الإمام ليشمل اللاحق المسبوق وتعريفهم اللاحق بأنه من أدرك أول صلاة الإمام وفاته شيء منها بعذر تساهل ا هـ. لكن يرد عليه المقيم إذا اقتدى بمسافر فإنه لاحق ولم يشمله تعريفه إلا أن يقال إنه ملحق به وليس هو حقيقة وحكمه إذا زال عذره ما قال في المجمع أن يصلي فيما أدرك ما نام فيه، ثم يقضي ما فاته، ولو تابع فيما بقي، ثم قضى الفائت، ثم ما نام فيه أجزناه وقدمنا أنه يصح مع الإثم لترك الواجب، وأما المسبوق فقط فهو من لم يدرك الركعة الأولى مع الإمام وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان أحكامه عند قوله وصح استخلاف المسبوق وقالوا لو اقتديا في الركعة الثالثة، ثم أحدثا فذهبا للوضوء، ثم حاذته في القضاء ينظر، فإن حاذته في الأولى أو الثانية وهي الثالثة والرابعة للإمام تفسد صلاته لوجود الشركة فيهما تقديرا لكونهما لاحقين فيهما، وإن حاذته في الثالثة والرابعة لا تفسد لعدم المشاركة فيهما لكونهما مسبوقين وهذا بناء على أن اللاحق المسبوق يقضي أولا ما لحق فيه، ثم ما سبق فيه وهذا عند زفر ظاهر وعندنا، وإن صح عكسه لكن يجب هذا باعتباره تفسد وقيد باتحاد المكان؛ لأنه لو اختلف فلا فساد سواء كان هناك حائل أو لا، ولهذا قال في السراج الوهاج لو كان على الدكان أو الحائط وهو قدر قامة وهي على الأرض لا تفسد لعدم اتحاد المكان وهكذا في الكافي قال في النوازل قوم صلوا على ظهر ظلة في المسجد وبحذائهم من تحتهم نساء أجزأتهم صلاتهم لعدم اتحاد المكان بخلاف ما إذا كان قدامهم نساء فإنها فاسدة؛ لأنه تخلل بينهم وبين الإمام صف من النساء وهو مانع من الاقتداء كما سيأتي، وفي المجتبى اقتدين على رفة المسجد وتحته صفوف الرجال لا تفسد صلاتهم وقيد بعدم الحائل؛ لأنه لو كان بينها وبينه حائل فلا فساد وأدناه قدر مؤخرة الرجل أو مقدمته؛ لأن أدنى أحوال الصلاة القعود فقدرنا الحائل به وهو قدر ذراع كذلك في المحيط وفي المجتبى لو كان بينهما أسطوانة أو سترة قدر مؤخرة الرحل أو عود أو قصبة منتصبة للسترة أو حائط أو دكان قدر الذراع لا تفسد، وذكر الشارح أن أدناه قدر مؤخرة الرحل وغلظه مثل غلظ الأصبع، ولم يذكر المصنف الفرجة من غير حائل وظاهر كلامه أنه لا عبرة بها وأن المرأة إذا كانت عن يمينه أو عن يساره وبينهما فرجة بلا حائل فإنها تفسد صلاته، وذكر الشارح وغيره أن الفرجة كالحائل وأدناها قدر ما يقوم فيها الرجل، ولو كان أحدهما على دكان قدر قامة الرجل والآخر أسفل لا تفسد صلاته لعدم تحقق المحاذاة وصرح في معراج الدراية بأنه لو كان بينهما فرجة تسع الرجل أو أسطوانة قيل لا تفسد، وكذا إذا قامت أمامه وبينهما هذه الفرجة وصرح به في المجتبى عن صلاة البقالي ويشكل عليه ما اتفقوا على نقله عن أصحابنا كما في غاية البيان لو قامت امرأة بحذاء الإمام، وقد نوى إمامتها تفسد صلاة الإمام والقوم، وإن قامت في الصف تفسد صلاة رجلين من جانبيها وصلاة رجل خلفها، ولو تقدمت على الإمام لا تفسد صلاة الإمام والقوم ولكن تفسد صلاتها، ولو كان صف من النساء بين الإمام والرجال لا يصح اقتداء الرجال بالإمام ويجعل حائلا، ولو كان في صف الرجال ثنتان من النساء تفسد صلاة رجل عن يمينهما وصلاة رجل عن يسارهما وصلاة رجلين خلفهما فقط، ولو كان ثلاثة تفسد صلاة ثلاثة ثلاثة خلفهن إلى آخر الصفوف وواحد عن أيمانهن وواحد عن يسارهن؛ لأن الثلاثة جمع صحيح فصار كالصف فيمنع صحة الاقتداء في حق من صرن حائلات بينه وبين إمامه وفي المحيط عن الجرجاني لو كبرت في الصف الأول وركعت في الصف الثاني وسجدت في الصف الثالث فسدت صلاة من عن يمينها ويسارها وخلفها في كل صف؛ لأنها أدت في كل صف ركنا من الأركان فصار كالمدفوع إلى صف النساء، ووجه إشكاله أن الرجل الذي هو خلفها أو الصف الذي هو خلفهن بينها وبينه فرجة قدر قامة الرجل، وقد جعلوا الفرجة كالحائل فيمن عن جانبها أو خلفها كما قدمناه عن المجتبى وغيره فتعين أن يحمل على ما إذا كان خلفها من غير فرجة محاذيا لها بحيث لا يكون بينهما وبينه قدر قامة الرجل، ولهذا قال في السراج الوهاج، ولو قامت المرأة وسط الصف فإنها تفسد صلاة ثلاثة: واحد عن يمينها وواحد عن يسارها وواحد خلفها بحذائها ولا تفسد صلاة الباقين ا هـ. فقد شرط أن يكون من خلفها محاذيا لها للاحتراز عما إذا كان بينه وبينها فرجة، وكذا صرح الزيلعي الشارح فقال في المرأتين يفسدان صلاة رجلين خلفهما بحذائهما، ثم رأيت بعد ذلك مصرحا به في الكافي للحاكم الشهيد، وفي المجتبى، ولو كان الرجل على سترة أو رف والمرأة قدامه تفسد سواء كان قدر قامة الرجل أو دونه وهذا إذا لم يكن على الرف سترة فأما إذا كان عليه سترة قدر ذراع لا تفسد في جميع الأحوال ا هـ. وقدمنا عن النوازل أنهن لو كن بحذائهم لا تفسد وقيد بنية الإمامة؛ لأنه لو لم ينو الإمام إمامتها لا تفسد صلاة من حاذته مطلقا ولا حاجة إلى هذا القيد؛ لأنه علم من قوله مشتركة؛ لأنه لا اشتراك إلا بنية الإمام إمامتها فإذا لم ينو إمامتها لم يصح اقتداؤها وجرى أكثرهم على هذا العموم حتى في الجمعة والعيدين؛ لأنه يلزمه الفساد من جهتها بتقدير محاذاتها فاشترط التزامه والمأموم تبع لإمامه، ومنهم من لا يشترطها فيهما وصححه صاحب الخلاصة؛ لأنها لا تتمكن من الوقوف بجنب الإمام للازدحام ولا تقدر أن تؤديها وحدها ويشترط نية الإمام وقت الشروع لا بعده ولا يشترط حضورها عند النية في رواية ويشترط في أخرى كما في السراج الوهاج والظاهر الأول، وأشار بقوله فسدت صلاته إلى أنها لو اقتدت به مقارنة لتكبيره محاذية له وقد نوى إمامتها لم تنعقد تحريمة الإمام وهو الصحيح كما في فتاوى قاضي خان؛ لأن المفسد للصلاة إذا قارن الشروع منع من الانعقاد ولو نوى إمامة النساء إلا واحدة فهو كما نوى فإذا حاذته لا تبطل صلاته ولا يشترط اتحاد صلاتهما حتى لو اقتدت به في الظهر وهو يصلي العصر وحاذته أبطلت صلاته على الصحيح كما في السراج الوهاج؛ لأن اقتداءها، وإن لم يصح فرضا يصح نفلا على المذهب فكان بناء النفل على الفرض لكن هو متفرع على أحد القولين في بقاء أصل الصلاة عند فساد الاقتداء وسنبين ما هو المذهب فيه، وفي نظائره ولم يذكر المصنف كونها في ركن كامل للخلاف فيه ففي فتاوى قاضي خان المحاذاة مفسدة قلت أو كثرت وفي المجمع أن أبا يوسف يفسدها بالمحاذاة قدر أداء ركن واشترط محمد أداء الركن ففيها ثلاثة أقوال، وظاهر إطلاق المصنف اختيار الأول ولم يذكر أيضا اتحاد الجهة قالوا ولا بد منه حتى لو اختلفت كما في جوف الكعبة وبالتحري في الليلة المظلمة فلا فساد بالمحاذاة. (قوله: ولا يحضرن الجماعات) لقوله تعالى: {وقرن في بيوتكن} وقال صلى الله عليه وسلم: «صلاتها في قعر بيتها أفضل من صلاتها في صحن دارها وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في مسجدها وبيوتهن خير لهن» ولأنه لا يؤمن الفتنة من خروجهن أطلقه فشمل الشابة والعجوز والصلاة النهارية والليلية قال المصنف في الكافي والفتوى اليوم على الكراهة في الصلاة كلها لظهور الفساد ومتى كره حضور المسجد للصلاة فلأن يكره حضور مجالس الوعظ خصوصا عند هؤلاء الجهال الذين تحلوا بحلية العلماء أولى. ذكره فخر الإسلام ا هـ. وفي فتح القدير المعتمد منع الكل في الكل إلا العجائز المتفانية فيما يظهر لي دون العجائز المتبرجات وذوات الرمق. ا هـ. وقد يقال هذه الفتوى التي اعتمدها المتأخرون مخالفة لمذهب الإمام وصاحبيه فإنهما نقلوا أن الشابة تمنع مطلقا اتفاقا، وأما العجوز فلها حضور الجماعة عند أبي حنيفة في الصلاة إلا في الظهر والعصر والجمعة، وقالا يخرج العجائز في الصلاة كلها كما في الهداية والمجمع وغيرهما فالإفتاء بمنع العجوز في الكل مخالف للكل فالاعتماد على مذهب الإمام، وفي الخلاصة من كتاب النكاح يجوز للزوج أن يأذن لها بالخروج إلى سبعة مواضع: زيارة الوالدين وعيادتهما وتعزيتهما أو أحدهما وزيارة المحارم، فإن كانت قابلة أو غسالة أو كان لها على آخر حق تخرج بالإذن وبغير الإذن والحج على هذا، وفيما عدا ذلك من زيارة غير المحارم وعيادتهم والوليمة لا يأذن لها ولا تخرج، ولو أذن وخرجت كانا عاصيين وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى. (قوله: وفسد اقتداء رجل بامرأة أو صبي) أما الأول فلما قدمناه من الحديث ونقل في المجتبى الإجماع عليه، وأما إمامة الصبي فلأن صلاته نفل لعدم التكليف فلا يجوز بناء الفرض عليه لما سيأتي، قيد بالرجل؛ لأن اقتداء المرأة بالمرأة صحيح مكروه، وكذا اقتداء الصبي بالصبي صحيح وقيد بالمرأة؛ لأن الاقتداء بالرجل جائز سواء نوى الإمامة أو لا، وبالخنثى فيه تفصيل، فإن كان المقتدي رجلا فهو غير صحيح لجواز أن يكون امرأة، وإن كان امرأة فهو صحيح إلا أنه يتقدم ولا يقوم وسط الصف حتى لا تفسد صلاته بالمحاذاة، وإن كان خنثى لا يجوز لجواز أن يكون امرأة والمقتدي رجلا كذا ذكر الإسبيجابي، وقيد بفساد الاقتداء؛ لأن صلاة الإمام تامة على كل حال وأطلق فساد الاقتداء بالصبي فشمل الفرض والنفل وهو المختار كما في الهداية وهو قول العامة كما في المحيط، وهو ظاهر الرواية كما ذكره الإسبيجابي وغيره؛ لأن نفل البالغ مضمون حتى يجب القضاء إذا أفسده ونفل الصبي ليس بمضمون حتى لا يجب القضاء عليه بالإفساد فيكون نفل الصبي دون نفل البالغ فلا يجوز أن يبني القوي على الضعيف ولا يرد عليه الاقتداء بالظان أي بمن ظن أن عليه فرضا، ثم تبين خلافه فإن الاقتداء به صحيح نفلا مع أن نفل المقتدي مضمون عليه بالإفساد حتى يلزمه القضاء ونفل الإمام ليس بمضمون عليه حتى لا يلزمه القضاء؛ لأنه مجتهد في وجوب قضائه على الظان فإن زفر يقول بوجوبه فاعتبر الظن العارض عدما في حق المقتدي بخلاف الصبي، ومشايخ بلخ جوزوا اقتداء البالغ بالصبي في غير الفرض قياسا على المظنون، وقد علمت جوابه، وفي النهاية والاختلاف راجع إلى أن صلاة الصبي هل هي صلاة أم لا؟ قيل ليست بصلاة وإنما يؤمر بها تخلقا، ولهذا لو صلت المراهقة بغير قناع فإنه يجوز وقيل هي صلاة، ولهذا لو قهقه المراهق في الصلاة يؤمر بالوضوء ا هـ. فظاهره ترجيح أنها ليست بصلاة، ولهذا كان المختار عدم جواز الاقتداء به في كل صلاة، وفي السراج الوهاج لو اقتدى الرجل بالمرأة، ثم أفسدها لا يلزمه القضاء ولا يكون تطوعا وظاهره مع ما في المختصر صحة الشروع وسيأتي اختلاف التصحيح فيه، وفي نظائره وأشار المصنف إلى أنه لا يجوز الاقتداء بالمجنون بالأولى لكن شرط في الخلاصة أن يكون مطبقا أما إذا كان يجن ويفيق يصح الاقتداء به في حالة الإفاقة قال ولا يجوز الاقتداء بالسكران. (قوله: وطاهر بمعذور) أي وفسد اقتداء طاهر بصاحب العذر المفوت للطهارة؛ لأن الصحيح أقوى حالا من المعذور والشيء لا يتضمن ما هو فوقه والإمام ضامن بمعنى تضمن صلاته صلاة المقتدي، وقيد المعذور في المجتبى بأن يقارن الوضوء الحدث أو يطرأ عليه للاحتراز عما إذا توضأ على الانقطاع وصلى كذلك فإنه يصح الاقتداء به؛ لأنه في حكم الطاهر وقيد بالطاهر؛ لأن اقتداء المعذور صحيح إن اتحد عذرهما، وأما إن اختلف فلا يجوز أن يصلي من به انفلات ريح خلف من به سلس البول؛ لأن الإمام معه حدث ونجاسة فكان الإمام صاحب عذرين والمأموم صاحب عذر، وكذا لا يصلي من به سلس البول خلف من به انفلات ريح وجرح لا يرقى؛ لأن الإمام صاحب عذرين كذا في السراج الوهاج وظاهره أن سلس البول والجرح من قبيل المتحد، وكذا سلس البول واستطلاق البطن، وفي المجتبى واقتداء المستحاضة بالمستحاضة والضالة بالضالة لا يجوز كالخنثى المشكل بالمشكل ا هـ. لعله لجواز أن يكون الإمام حائضا أما إذا انتفى الاحتمال فينبغي الجواز؛ لأنه من قبيل المتحد، وفي الخلاصة وإمامة المفتصد لغيره من الأصحاء صحيحة إذا كان يأمن خروج الدم. ا هـ. (قوله: وقارئ بأمي) أي وفسد اقتداء حافظ الآية من القرآن بمن لا يحفظها وهو المسمى بالأمي فهو عندنا من لا يحسن القراءة المفروضة وعند الشافعي من لا يحسن الفاتحة وإنما فسد؛ لأن القارئ أقوى حالا منه؛ لأنه يصلي مع عدم ركنها للضرورة ولا ضرورة في حق المقتدي وسيأتي أن صلاة الأمي الإمام تفسد أيضا عند أبي حنيفة وعلم منه أنه لا يجوز اقتداء القارئ بالأخرس بالأولى وأشار إلى أنه لا يجوز اقتداء الأمي بالأخرس؛ لأن الأمي أقوى حالا منه لقدرته على التحريمة وإلى جواز اقتداء الأخرس بالأمي. (قوله: ومكتس بعار) لأن صلاة العاري جائزة مع فقد الشرط للضرورة ولا ضرورة في حق المقتدي، وفي السراج الوهاج لو قال ولا مستور العورة خلف العاري لكان أولى؛ لأن من ستر عورته بالسروال أو نحوه لا يسمى مكتسيا في العرف وتصح صلاة المكتسي خلفه؛ لأنه مستور العورة ا هـ. لكن اختلفوا في السراويل هل يكون كسوة شرعا في كفارة اليمين؟ وصحح صاحب الخلاصة أنه لا يجوز للرجل ولا للمرأة أي لا يكون كسوة، قيد بالمكتسي؛ لأنه لو أم العاري عراة ولابسين فصلاة الإمام ومن هو مثله جائزة بلا خلاف، وكذا صاحب الجرح السائل بمثله وبصحيح بخلاف الأمي إذا أم أميا وقارئا فإن صلاة الكل فاسدة عند أبي حنيفة؛ لأن الأمي يمكن أن يجعل صلاته بقراءة إذا اقتدى بقارئ؛ لأن قراءة الإمام له قراءة وليست طهارة الإمام وسترته طهارة وسترة للمأموم حكما فافترقا. (قوله: وغير مومئ بمومئ) أي فسد اقتداء من يقدر على الركوع والسجود بمن لا يقدر عليهما للعذر لقوة حال المقتدي، قيد به؛ لأن اقتداء المومئ بالمومئ صحيح للمماثلة كما سيأتي. (قوله: ومفترض بمتنفل وبمفترض آخر) أي وفسد اقتداء المفترض بإمام متنفل أو بإمام يصلي فرضا غير فرض المقتدي؛ لأن الاقتداء بناء، ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام في الأولى وهو مشاركة وموافقة فلا بد من الاتحاد وهو معدوم في الثانية والذي صح عند أئمتنا وترجح أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم نفلا وبقومه فرضا لقوله حين شكوا تطويله بهم يا معاذ إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك كما رواه الإمام أحمد فشرع له أحد الأمرين الصلاة معه ولا يصلي بقومه أو الصلاة بقومه على وجه التخفيف ولا يصلي معه. هذا حقيقة اللفظ أفاده منعه من الإمامة إذا صلى معه عليه السلام ولا تمتنع إمامته مطلقا بالاتفاق فعلم أنه منعه من الفرض. والحاصل أن اتحاد الصلاتين شرط لصحة الاقتداء وذلك بأن يمكنه الدخول في صلاته بنية صلاة الإمام فتكون صلاة الإمام متضمنة لصلاة المقتدي وهو المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: «الإمام ضامن» أي تتضمن صلاته صلاة المقتدي وأشار بمنع اقتداء المفترض بالمتنفل إلى منع اقتداء الناذر بالناذر؛ لأن صلاة الإمام نفل بالنسبة إلى المقتدي؛ لأن التزامه إنما يظهر عليه فقط إلا إذا نذر أحدهما عين ما نذره الآخر فاقتدى أحدهما بالآخر فإنه يجوز للاتحاد وإلى أنه لو أفسد كل منهما التطوع ثم اقتدى أحدهما بالآخر في قضائه فإنه لا يجوز لما ذكرناه للاختلاف كما لو اقتدى من أفسد بمن يصلي منذورة إلا إذا كان اقتدى أحدهما بالآخر تطوعا ثم أفسداه، ثم قضياه بالاقتداء يجوز للاتحاد، ومصليا ركعتي الطواف كالناذرين؛ لأن طواف هذا غير طواف الآخر وهو السبب فهو اقتداء الواجب بالنفل وينبغي أن يصح الاقتداء على القول بسنية ركعتي الطواف كما لا يخفى وأشار بمنع مفترض خلف مفترض آخر إلى منع اقتداء الناذر بالحالف؛ لأن المنذورة أقوى من المحلوف بها لأنها واجبة قصدا ووجوب المحلوف بها عارض لتحقيق البر، ولهذا صح اقتداء الحالف بالحالف والحالف بالناذر وصورة الحلف بها كما في الخلاصة أن يقول والله لأصلين ركعتين، وذكر الولوالجي أن اقتداء الحالف بالمتطوع أو المفترض جائز بخلاف اقتداء الناذر بالمتطوع أو المفترض فإنه لا يجوز ا هـ وهذا يدل على أن صلاة الحالف لم تخرج عن كونها نفلا بالحلف، وقد يقال إنها واجبة لتحقق البر فينبغي أن لا يجوز خلف المتطوع، ولو اقتدى من يرى وجوب الوتر فيه بمن يرى سنيته صح للاتحاد ولا يختلف باختلاف الاعتقاد، ولو اقتدى من يصلي سنة بمن يصلي سنة أخرى فإنه يجوز كسنة العشاء خلف من يصلي التراويح أو سنة الظهر البعدية خلف من يصلي القبلية كما في الخلاصة والمجتبى وأطلق في منع اقتداء المفترض بالمتنفل فشمل الاقتداء في جميع الأفعال، وفي بعضها وهو قول العامة فلا يرد ما ذكره محمد من أن الإمام إذا رفع رأسه من الركوع فاقتدى به إنسان فسبق الإمام الحدث قبل السجود فاستخلفه صح ويأتي بالسجدتين ويكونان نفلا للخليفة حتى يعيدهما بعد ذلك وفرضا في حق من أدرك أول الصلاة لمنع النفلية في حق الخليفة بل هما فرض عليه، ولذا لو تركهما فسدت؛ لأنه قام مقام الأول فلزمه ما لزمه وكذا لا يرد المتنفل إذا اقتدى بالمفترض في الشفع الثاني فإنه يجوز مع أنه اقتداء المفترض بالمنتفل في حق القراءة لكون صلاة المقتدي أخذت حكم الفرض بسبب الاقتداء، ولذا لزمه قضاء ما لم يدركه مع الإمام من الشفع الأول ولذا لو أفسد على نفسه يلزمه قضاء الأربع، والتحقيق ما في غاية البيان من أن قراءة المأموم محظورة فكيف يقال إنها مفروضة؟ فالحق أن الإيراد ساقط من أصله، وفي المجتبى وغيره لا يصح اقتداء المسبوق بالمسبوق ولا اللاحق باللاحق، وكذا المقيمان إذا اقتديا بالمسافر، ثم اقتدى أحدهما بالآخر في القضاء ولو صليا الظهر ونوى كل واحد منهما إمامة صاحبه صحت صلاتهما، ولو نويا الاقتداء فسدت ومن مختلفي الفرض الظهر خلف الجمعة أو عكسه، وذكر الإسبيجابي أن من اقتدى في موضع يجب عليه الانفراد كالمسبوق إذا اقتدى بمسبوق أو انفرد في موضع يجب عليه الاقتداء فسدت صلاته كما إذا قام المسبوق إلى قضاء ما سبق به، ثم تذكر الإمام أن عليه سجدة التلاوة ولم يعد المسبوق إلى متابعة الإمام، ثم المصنف رحمه الله ذكر في هذه المواضع الثمانية فسد الاقتداء، ولم يذكر هل يصير شارعا أو لا للاختلاف قالوا فيه روايتان وصحح في السراج الوهاج أنه يصير شارعا في صلاة نفسه وصحح في المحيط وغيره أنه لا يصير شارعا قال في المعراج وفي المحيط الصحيح هو الأول يعني عدم الشروع؛ لأنه نص عليه محمد في الأصل حتى لو كان متطوعا لا يلزمه القضاء، وذكر الشارح أن الأشبه أن يقال إن فسد لفقد شرط الصلاة كالطاهر خلف المعذور لا يكون شارعا فيه، وإن كان للاختلاف بين الصلاتين ينبغي أن يكون شارعا فيه غير مضمون بالقضاء لاجتماع شرائطه فصار كالظان وثمرة الخلاف تظهر في حق بطلان الوضوء بالقهقهة ا هـ. ويرد هذا التفصيل ما ذكره الحاكم في كافيه من أن المرأة إذا نوت العصر خلف مصلي الظهر لم تجز صلاتها ولم تفسد على الإمام صلاته ا هـ. فهو صريح في عدم صحة شروعها لاختلاف الصلاتين، وقال في موضع آخر رجل قارئ دخل في صلاة أمي تطوعا أو في صلاة امرأة أو جنب أو على غير وضوء، ثم أفسدها فليس عليه قضاؤها؛ لأنه لم يدخل في صلاة تامة ا هـ. فعلم بهذا أن المذهب تصحيح المحيط من عدم صحة الشروع؛ لأن الكافي جمع كلام محمد في كتبه التي هي ظاهر الرواية ولم يذكر المصنف ما يمنع الاقتداء من الحائل وذكر في الكافي للحاكم أنه إذا كان بين المصلي والإمام طريق يمر فيه الناس أو نهر عظيم لم تجز صلاته إلا أن تكون الصفوف متصلة على الطريق فيجوز حينئذ، وقدم قبله أن صف النساء مفسد لصلاة الصفوف التي وراءه كلها استحسانا فالمانع ثلاثة، وفيه أنه لو كان بينه وبين الإمام حائط أجزأته صلاته ا هـ. أطلق في الحائط فشمل الصغير والكبير وما يشتبه فيه حال الإمام أو لا لكن قيده في الخلاصة وغيرها بعدم الاشتباه، فإن أمكنه الوصول إلى الإمام فهو صحيح اتفاقا، وإن لم يمكنه ولم يشتبه اختلفوا فيه، ولو قام على سطح المسجد واقتدى بالإمام أو في المئذنة مقتديا بالإمام في المسجد، فإن كان لهما باب في المسجد ولا يشتبه يجوز في قولهم، فإن كان من خارج المسجد ولا يشتبه فعلى الخلاف، وفي الخلاصة اختار الصحة، وكذا على جدار بين داره وبين المسجد بخلاف ما إذا اقتدى من سطح داره المتصلة بالمسجد فإنه لا يصح مطلقا، وفي المحيط، ولو اقتدى بالإمام في الصحراء وبينهما قدر صفين فصاعدا لا يصح الاقتداء ودونه يصح وصحح أن النهر العظيم ما تجري فيه السفن وفي المجتبى وفناء المسجد له حكم المسجد يجوز الاقتداء فيه، وإن لم تكن الصفوف متصلة ولا تصح في دار الضيافة إلا إذا اتصلت الصفوف ا هـ. وبهذا علم أن الاقتداء من صحن الخانقاه الشيخونية بالإمام في المحراب صحيح، وإن لم تتصل الصفوف؛ لأن الصحن فناء المسجد، وكذا اقتداء من بالخلاوي السفلية صحيح؛ لأن أبوابها في فناء المسجد ولم يشتبه حال الإمام، وأما اقتداء من بالخلاوي العلوية بإمام المسجد فغير صحيح حتى الخلوتين اللتين فوق الإيوان الصغير، وإن كان مسجدا؛ لأن أبوابها خارجة عن فناء المسجد سواء اشتبه حال الإمام أو لا كالمقتدي من سطح داره المتصلة بالمسجد فإنه لا يصح مطلقا وعلله في المحيط باختلاف المكان. (قوله: لا اقتداء متوضئ بمتيمم) أي لا يفسد أطلقه فشمل الاقتداء في صلاة الجنازة أو غيرها ولا خلاف في صحته في صلاة الجنازة كما في الخلاصة واختلفوا في غيرها فذهب محمد إلى فساده، وذهبا إلى صحته والخلاف مبني على أن الخلفية هل هي بين الآلتين وهما الماء والتراب وبه قالا أو بين الطهارتين وبه أخذ محمد فعنده هو بناء القوي على الضعيف وعندهما الطهارتان سواء وتمامه في الأصول وترجح المذهب بفعل عمرو بن العاص حين صلى بقومه بالتيمم لخوف البرد من غسل الجنابة وهم متوضئون ولم يأمرهم عليه الصلاة والسلام بالإعادة حين علم، وشمل ما إذا كان مع المتوضئين ماء أو لا لكن قيده في المجتبى بأن لا يكون مع المتوضئين ماء أما إذا كان معهم ماء فلا يصح الاقتداء، وذكر في فتح القدير أن هذا التقييد يبتنى على فرع إذا رأى المتوضئ المقتدي بمتيمم ماء في الصلاة لم يره الإمام فسدت صلاته لاعتقاده فساد صلاة الإمام لوجود الماء وينبغي أن يحكم أن محل الفساد عندهم إذا ظن علم إمامه به؛ لأن اعتقاده فساد صلاة إمامه بذلك. ا هـ. ثم اعلم أن في طهارة التيمم جهة الإطلاق باعتبار عدم توقتها وجهة الضرورة باعتبار أن المصير إليها ضرورة عدم القدرة على الماء فاعتبر محمد جهة الضرورة في هذا الباب احتياطا وجهة الإطلاق في باب الرجعة احتياطا وهما اعتبرا جهة الإطلاق هنا لحديث عمرو بن العاص وجهة الضرورة في الرجعة كما سيأتي إيضاحه فيها إن شاء الله تعالى، وفي المجتبى معزيا إلى أبي بكر الرازي جواز إمامة من توضأ بسؤر الحمار وتيمم المتوضئين. (قوله: وغاسل بماسح) لاستواء حالهما؛ لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم وما حل بالخف يزيله المسح بخلاف المستحاضة؛ لأن الحدث موجود حقيقة، وإن جعل في حقها معدوما للضرورة. أطلق الماسح فشمل ماسح الخف وماسح الجبيرة وهو أولى بالجواز؛ لأنه كالغسل لما تحته. (قوله: وقائم بقاعد وبأحدب) أي لا يفسد اقتداء قائم بقاعد وبأحدب أما الأول فهو قولهما وحكم محمد بالفساد نظرا إلى أنه بناء القوي على الضعيف ولهما اقتداء الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته وهو قاعد وهم قيام وهو آخر أحواله فتعين العمل به بناء على أنه عليه الصلاة والسلام كان إماما وأبو بكر مبلغا للناس تكبيره وبه استدل على جواز رفع المؤذنين أصواتهم في الجمعة والعيدين وغيرهما كما في المجتبى وليس هو بناء القوي على الضعيف؛ لأن القعود قيام من وجه كالركوع لانتصاب أحد نصفيه وصار كالاقتداء بالمنحنى من الهرم ولا يرد عليه الإيماء فإنه بعض الركوع والسجود ومع ذلك فلم يصح اقتداء الراكع والساجد بالمومئ لوجهين أحدهما أن القيام ليس بركن مقصود، ولهذا جاز تركه في النفل من غير عذر فجاز أن يسد الناقص مسده لعدم فوات المقصود فكان حال الإمام مثل حال المقتدي في المقصود وهو نهاية التعبد بخلاف الركوع والسجود فإنهما ركنان مقصودان، وقد فاتا في حق الإمام المومئ ولأن القعود يسمى قياما يقال لمن قعد ناهضا عن نومه قام عن فراشه وقام عن مضجعه ويقال للمضطجع قم واقرأ فإذا نهض وقعد يكون ممتثلا لأمره بالقيام بخلاف الإيماء فإنه لا يسمى سجودا، وذكر في المجتبى فرقا إجماليا وهو أن المتنفل يتخير بين القيام والقعود ولا يتخير بين الإيماء والسجود ولا بين القعود والاستلقاء، وفي الحقائق الخلاف في قاعد يركع ويسجد؛ لأنه لو كان يومئ والقوم يركعون ويسجدون لا يجوز اتفاقا ومحل الاختلاف الاقتداء في الفرض والواجب حيث كان للإمام عذر أما في النفل فيجوز اتفاقا واختلف في اقتداء القائم بالقاعد في التراويح والأصح أنه جائز عند الكل كما في فتاوى قاضي خان، وأما الثاني وهو اقتداء القائم بالأحدب فأطلقه فشمل ما إذا بلغ حدبه حد الركوع وما إذا لم يبلغ ولا خلاف في الثاني، واختلفوا في الأول ففي المجتبى أنه جائز عندهما وبه أخذ عامة العلماء خلافا لمحمد، وفي الفتاوى الظهيرية لا تصح إمامة الأحدب للقائم هكذا ذكر محمد في مجموع النوازل وقيل يجوز والأول أصح ا هـ. ولا يخفى ضعفه فإنه ليس هو أدنى حالا من القاعد؛ لأن القعود استواء النصف الأعلى، وفي الحدب استواء النصف الأسفل ويمكن أن يحمل على قول محمد وأشار إلى أن اقتداء القاعد خلف مثله جائز اتفاقا، وكذا الاقتداء بالأعرج أو من بقدمه عوج، وإن كان غيره أولى، وفي الخلاصة ولا يجوز اقتداء النازل بالراكب، ولو صلوا على الدابة بجماعة جازت صلاة الإمام ومن كان معه على دابته ولا تجوز صلاة غيره في ظاهر الرواية. (قوله: ومومئ بمثله) أي لا يفسد اقتداء مومئ بمومئ لاستواء حالهما أطلقه فشمل ما إذا كان الإمام يومئ قائما أو قاعدا بخلاف ما إذا كان الإمام مضطجعا والمؤتم قاعدا أو قائما فإنه لا يجوز لقوة حال المأموم؛ لأن القعود معتبر بدليل وجوبه عليه عند القدرة بخلاف القيام؛ لأنه ليس بمقصود لذاته، ولهذا لا يجب عليه القيام مع القدرة عليه إذا عجز عن السجود، وفي الشراح أنه المختار ردا لما صححه التمرتاشي من الجواز عند الكل. (قوله: ومتنفل بمفترض) أي لا يفسد اقتداء متنفل بمفترض؛ لأنه بناء الضعيف على القوي والقراءة في النفل وإن كانت فرضا في الأخيرتين نفلا في الفرض لكن إنما تكون فرضا إذا كان المصلي منفردا أما إذا كان مقتديا فلا؛ لأنها محظورة كذا في الغاية ولأنه بالاقتداء صار تبعا للإمام في القراءة فكانت نفلا فيهما في حقه كإمامه أطلقه فشمل اقتداء من يصلي التراويح بالمكتوبة، وذكر في فتاوى قاضي خان اختلافا وأن الصحيح عدم الجواز وهو مشكل فإنه بناء الضعيف على القوي وأشار إلى أن اقتداء المتنفل بمثله جائز، وفي اقتداء الحنفي في الوتر بمن يراه سنة اختلاف المشايخ، ولو تكلم الإمام في شفع الترويحة، ثم أمهم في ذلك الشفع جاز، وكذا إذا اقتدى في سنة العشاء بمن يصلي التراويح أو في السنة بعد الظهر بمن يصلي الأربع قبل الظهر صح. ا هـ. (قوله: وإن ظهر أن إمامه محدث أعاد) أي على سبيل الفرض فالمراد بالإعادة الإتيان بالفرض لا الإعادة في اصطلاح الأصوليين الجابرة للنقص في المؤدى فلو قال بطلت لكان أولى، وإنما بطلت صلاة المأموم؛ لأن الاقتداء بناء والبناء على المعدوم محال ولا فرق في ذلك بين أن يظهر أن الإمام عدم ركنا أو شرطا، وفي المجتبى ولو أخبرهم الإمام أنه أمهم شهرا بغير طهارة أو مع علمه بالنجاسة المانعة لا يلزم الإعادة؛ لأنه صرح بكفره، وقول الفاسق غير مقبول في الديانات فكيف قول الكافر ا هـ. وهو مشكل فإنه لا يكفر إذا صلى بالنجاسة المانعة عمدا للاختلاف في وجوب إزالتها فإن مالكا يقول في قول بسنيتها، وفي المبتغى بالمعجمة ومن علم أن إمامه على غير طهارة أعاد وإلا فلا ولا يلزم على الإمام أن يعلم الجماعة بحاله ولا يأثم بتركه، وفي معراج الدراية ولا يلزم على الإمام الإعلام إذا كانوا قوما غير معينين، وفي المجتبى، ولو أم قوما محدث أو جنب، ثم علم بعد التفرق يجب الإخبار بقدر الممكن بلسانه أو كتاب أو رسول على الأصح، وفي خزانة الأكمل؛ لأنه سكت عن خطإ معفو عنه، وعن الوبري يخبرهم، وإن كان مختلفا فيه ونظيره إذا رأى غيره يتوضأ من ماء نجس أو على ثوبه نجاسة. ا هـ. (قوله: وإن اقتدى أمي وقارئ بأمي أو استخلف أميا في الأخريين فسدت صلاتهم) أما في المسألة الأولى فهو عند أبي حنيفة، وقالا صلاة الإمام ومن لم يقرأ تامة؛ لأنه معذور أم قوما معذورين وغير معذورين فصار كما إذا أم العاري عراة ولابسين وله أن الإمام ترك فرض القراءة مع القدرة عليها فتفسد صلاته وهذا لأنه لو اقتدى بالقارئ تكون قراءته قراءة له بخلاف تلك المسألة وأمثالها؛ لأن الموجود في حق الإمام لا يكون موجودا في حق المقتدي. قيد بالاقتداء لأنه لو كان يصلي الأمي وحده والقارئ وحده فإنه جائز هو الصحيح؛ لأنه لم يظهر منهما رغبة في الجماعة كذا في الهداية، وفي النهاية لو افتتح الأمي، ثم حضر القارئ ففيه قولان، ولو حضر الأمي بعد افتتاح القارئ فلم يقتد به وصلى منفردا الأصح أن صلاته فاسدة وأشار بفساد الصلاة إلى صحة شروع القارئ لاستوائهما في فرض التحريمة وإنما اختلفا في القراءة ولا يقال لم لا يلزم القضاء على المقتدي إذا أفسد، وقد صح شروعه؛ لأنا نقول لما شرع في صلاة الأمي أوجبها على نفسه بغير قراءة فلم يلزمه القضاء كنذر صلاة بغير قراءة لا تلزمه إلا في رواية عن أبي يوسف كذا في غاية البيان وصحح في الذخيرة عدم صحة شروعه، وفائدته تظهر في انتقاض وضوئه بالقهقهة وأطلق فشمل ما إذا علم الأمي أن خلفه قارئا أو لم يعلم وهو ظاهر الرواية؛ لأن الفرائض لا يختلف فيها الحال بين الجهل والعلم وشمل ما إذا نوى الأمي إمامة القارئ أو لم ينو؛ لأن الوجه المذكور وهو ترك الفرض مع القدرة عليه بعد ظهور الرغبة في صلاة الجماعة يوجب الفساد، وإن لم ينو ودل كلامه على أن القارئ والأخرس إذا اقتديا بالأخرس فهو كذلك بالأولى لكن ينبغي أن لا يصح شروع القارئ اتفاقا لعدم الاستواء في التحريمة، وفي المجتبى لو أم من يقرأ بالفارسية وهو لا يحسن العربية القارئين جاز عنده خلافا لهما، والأخرس إذا أم خرسانا جازت صلاتهم بالاتفاق، وفي إمامة الأخرس الأمي اختلاف المشايخ ا هـ فالحاصل أن إمامة الإنسان لمماثله صحيحة إلا إمامة المستحاضة والضالة والخنثى المشكل لمثله غير صحيحة ولمن دونه صحيحة مطلقا ولمن فوقه لا تصح مطلقا، وأما في المسألة الثانية فهو عندنا خلافا لزفر لتأدي فرض القراءة ولنا أن كل ركعة صلاة فلا تخلو عن القراءة إما تحقيقا أو تقديرا ولا تقدير في حق الأمي لانعدام الأهلية فقد استحلف من لا يصلح للإمامة ففسدت صلاتهم. أما صلاة الإمام فلأنه عمل كثير وصلاة القوم مبنية عليها، وشمل كلامه ما إذا قدمه في التشهد أي قبل الفراغ منه أما لو استخلفه بعده فهو صحيح بالإجماع لخروجه من الصلاة بصنعه وقيل تفسد صلاتهم عنده لا عندهما والصحيح الأول. كذا في غاية البيان وإنما اعتبر أبو حنيفة في مسائل الأمي قدرة الغير مع أن من أصله أن القادر بقدرة غيره ليس بقادر؛ لأنه مقيد بما إذا تعلق باختيار ذلك الغير أما هنا الأمي قادر على الاقتداء بالقارئ من غير اختيار القارئ فينزل قادرا على القراءة، ولهذا قالوا لو تحرم ناويا أن يؤم أحدا فائتم به رجل صح اقتداؤه، وفي المغرب الأمي في اللغة منسوب إلى أمة العرب وهي لم تكن تكتب ولا تقرأ فاستعير لكل من لا يعرف الكتابة والقراءة، وفي فتح القدير والأمي يجب عليه كل الاجتهاد في تعلم ما تصح به الصلاة، ثم في القدر الواجب وإلا فهو آثم وقدمنا نحوه في إخراج الحرف الذي يقدر على إخراجه وسئل ظهير الدين عن القيام هل يتقدر بالقراءة فقال لا، وكذلك ذكر في اللاحق في الشافي ا هـ. أي في الكتاب المسمى بالشافي للبيهقي، وفي الخلاصة وإمامة الألثغ لغيره ذكر الفضيلي أنها جائزة وصحح في المجتبى عدم الجواز والله سبحانه وتعالى أعلم.
|